كلمـة رئيـس الـوزراء سـلام فيـاض في مؤتمـر حـوار الأديـان

13/11/2008

كلمـة رئيـس الـوزراء
سـلام فيـاض
في مؤتمـر حـوار الأديـان
الجمعية العام للأمم المتحدة – نيويـورك
12-11-2008

السيـد الرئيـس..
السيدات والسـادة الكـرام..

 أود في البداية أن أعرب لكم عن تقديرنا البالغ على عقد هذا الإجتماع الهام، وعن إعتزازنا وسعادتنا بترؤسكم أعمال الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة، ونحن على ثقة بأنه من خلال إدارتكم القديرة والحكيمة ستتوج أعمال هذه الدورة بالنجاح. كما أود أن أعرب عن بالغ تقديرنا لخادم الحرمين الشريفين، جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، على جهوده النبيلة والحميدة والمتواصلة في نشر ثقافة التسامح والتفاهم بين الأديان، وعلى إطلاق المبادرة العالمية لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.

السيـد الرئيـس..
السيدات والسـادة الكـرام..
 جئتكم من أرض الرسالات السماوية إلى بني البشر، جئتكم من أرض فلسطين التي أصّل فيها الشعب العربي الفلسطيني التسامح عبر التاريخ. وانطلاقاً من خطى الأنبياء المتواصلة على هذه الأرض المباركة، وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري والثقافي، في التسامح والتعايش بين الأديان عبر القرون، حافظ الشعب العربي الفلسطيني  بمسلميه ومسيحييه على ثقافة التسامح والتعايش بالرغم من الظلم التاريخي الذي تعرض له منذ ما يزيد على ستين عاماً، ودعا مع كل آذان مسجد، وجرس كل كنيسة ومعبد، ترنيمة الرحمة والمحبة  والسلام .

جئتكم من القدس وبيت لحم مدينتي السلام والمحبة، اللتين احتضنتا ونمتّا التعايش على مدار العصور، وحيث يعاني أهليهما اليوم من آلام العزل وقساوة الحصار والجدران والتمييز وهدم البيوت ومصادرة حتى اراضي المقابر، وهم يتطلعون اليكم لانهاء قيود الاحتلال والظلم الذي لم يجلب، ولن يجلب سوى الكراهية والخوف والتعصب والشكوك.

السيـد الرئيـس..
السيـدات والسـادة الكـرام..
مازال عالمنا يعاني من أشكال التطرف الديني والتمييز العنصري والاحتلال الاجنبي،  وما يسببه ذلك من كراهية وتطرف وتعصب يتنافيان مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة، التي تدعو إلى بذل الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الدولية، وتوفير الامكانيات لبناء المجتمع الإنساني الأمثل، الأمر الذي يستدعي توسيع الحوار وتعميقه ، والتأكيد عليه كأسلوب حضاري للتعاون والأمن والسلام ورفاهية الشعوب. وبالرغم من مرور ما يزيد عن ثلاثة وستين عاماً على اعتماد الميثاق الذي يدعو الى التسامح، والعيش معاً على هذه الأرض في سلام ، فإن العديد من الشعوب في جميع أنحاء العالم ما زالت تعاني من آلام الممارسات والسياسات غير الرشيدة التي يقودها الشعور بغطرسة القوة والتفوق العنصري، أو الديني، أو العرقي. وبالمقابل فإن قوى الخير من أتباع الديانات وقفت دائما حاجزاً منيعاً أمام دعاة التطرف والتصادم والفوقية، ونجحت في كثير من الأحيان في التصدي لهذه الظواهر البغيضة، وساهمت في إنجاح نمودج التعايش، الأمر الذي ساعد في حفظ السلم والأمن الدوليين، وتمكنت من بناء وتنمية العلاقات الودية بين الأمم والشعوب، على أساس أحترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب، بما في ذلك حقها في تقرير مصيرها.

وهنا تكمن أهمية هذه المبادرة الكريمة التي تدعو إلى حوار الأديان والتسامح الديني وتحتمها فسيفساء تنوع البشرية، وتوجبها خلاصة التجربة الانسانية التي أثبتت أن حضارات الأمم والشعوب لم تنشأ في التاريخ الانساني دون أن تكون قد تفاعلت مع حضارات أخرى، وهو ما مكّن الانسانية  من الإرتقاء بقيم سامية مشتركة  للتعايش تدعو الى الحرية والمساواة بين كل البشر، بصرف النظر عن عرقهم أو دينهم أو ثقافتهم، وإرساء العدالة والسلام في العالم. فالتسامح والتعايش بين الاديان ضرورة تقتضيها الحياة الانسانية والتعايش المشترك بين البشر على كوكبنا.

السيـدات والسـادة:
حتى نتمكن من المحافظة على هذا المطلب الإنساني النبيل الذي دَعَت إليه الأديان، يتوجب علينا تعميم وتعميق الحوار بهدف تحقيق السلام بين البشر، وتفادي الصراعات ووضع حد لأعمال العدوان والغطرسة، واحترام الخصوصية الدينية والثقافية والحضارية للشعوب، وتشجيع السعي إلى التفاعل الإيجابي بين الحضارات والثقافات والأديان. كما يتوجب على الدول الأعضاء مجتمعة تحت مظلة الأمم المتحدة ومنفردة العمل بجد في سبيل إعلاء شأن الاحترام المتبادل بين الاديان، وصيانة حق المعتقدات الدينية، وكرامة الإنسان، وترسيخ المساواة الكاملة في الحقوق من خلال نشر ثقافة التسامح والتفاهم. ولا وسيلة للنجاح في تحقيق ذلك سوى الحوار كإطارٍ للعلاقات الدولية، ومعالجة الاسباب الجذرية التي تؤدي الى تغذية التعصب والتطرف بكافة اشكاله. ويجب كذلك العمل على تنشأة المجتمعات على التسامح الديني الحق، وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو بين المرأة والرجل، والتصدي بحزم لظاهرة الإساءة الى الاديان ورموزها، وللذين يدَّعون حتمية التصادم بين الحضارات. وذلك بالإضافة إلى وقف التشهير والصور النمطية المسيئة عن الشعوب. في هذا الاطار فإننا نؤكد على أهمية نداء مكة المكرمة الصادر عن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد في حزيران 2008  برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز وعلى بيان مدريد الصادر عن المؤتمر العالمي لحوار الأديان في شهر تموز من هذا العام .

إن المجتمع الدولي يواجه مسؤولية شاملة وتحدٍ كبير للتصدي بكل حزم لكافة  الظواهر المقيتة التي تمس التعايش المشترك، ووضع السياسات والتوجهات بل ورعاية وضمان الالتزام بالمواثيق والمعاهدات التي تجعل هذا الجانب المظلم من تاريخ الإنسانية جزءاً من الماضي المؤلم، بدلا من استمراره يهدد حاضرنا ومستقبلنا. ولا مجال أمامنا سوى النجاح في  مواجهة هذه المظاهر البغيضة ومروجيها ووضع حد لها، لأن عواقب الفشل ستكون مأساوية على مستقبل البشرية جمعاء .

السيـد الرئيـس..
السيـدات والسـادة الكـرام..
ونحن نتحدث عن التسامح الديني لابد وأن نستحضر مدينة القدس، مدينة السلام وأرض الأنبياء، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام. فالمدينة المقدسة تعاني من إحتلال تجاوز عمره الآن الواحد والأربعين سنة تعرضت خلالها الى سلسلة من الممارسات والانتهاكات تهدف في جوهرها إلى تغيير طابع ومكانة المدينة المقدسة، والتضييق على أهلها الفلسطينيين،مسلمين ومسيحيين، لدفعهم إلى هجرها وتفريغها، وفرض وقائع تشكل خطراً على امكانية الإتفاق بشأن الوضع النهائي حولها .

لقد تبنت الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة عدة قرارات، تؤكد جميعها على أن أي إجراءات تتخذها إسرائيل، السلطة القائمة بالإحتلال، لفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس المحتلة، هي إجراءات غير قانونية، باطلة ولاغية ، وليست لها شرعية على الإطلاق. وطالبت أيضا بوقف كافة الإنتهاكات لحرمة المدينة. ولكن، للأسف الشديد، فإن أياًّ من هذه القرارات لم يحترم أو ينفذ. لذا فإننا نشدد في هذه المناسبة على أنه لايمكن أن يستقيم وضع تستباح فيه المقدسات وتهيمن فيه فئة على أخرى مهما كانت ذرائعها، وعلى أن السكوت على هذا الوضع غير السوي يسيئ إلى جوهر أسس التسامح الديني، بل ويؤجج الصراع ويخلق المزيد من التعصب والكراهية. إن هذا الأمر يحتم على المجتمع الدولي أن يولي القدس وأهلها الحماية التي تستحقها، وأن يتصدى لكافة الممارسات اللاشرعية والتي تتناقض مع أسس العدالة ومبادئ القانون الدولي، ويوفر الحماية للمدينة ومكانتها الروحية والدينية والثقافية الفريدة على النحو المتوخى في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بشأن هذه المسألة، الأمر الذي سيساهم بلاشك في تخفيف الإحتقان والخوف والكراهية، و يُمكن من تعزيز الحوار، ووصوله الى غاياته المبتغاة في الحرية والسلام والتسامح.

السيد الرئيس، السيدات والسادة
ليس في أي مما قيل بشأن القدس من هذا المنبر أو في أي مقام آخر ما يمكن أن  يغير من الحقيقة التاريخية بأن القدس الشرقية هي أرض فلسطينية محتلة منذ 5 حزيران 1967، أو أن يتعارض مع وجوب أن تنطبق عليها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والمتعلقة بالإنسحاب الإسرائيلي منها شأنها في ذلك شأن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. إن خيار الشعب الفلسطيني، الذي أكدته ورسّمته مبادرة السلام الفلسطينية لعام 1988، يعتبر القدس الشرقية عاصمة لدولته المستقلة المنشودة, وهو يتوقع من المجتمع الدولي مساعدته العاجلة والفعالة في إنهاء الإحتلال، حتى يتمكن من ممارسة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، الأمر الذي يوفر الإمكانية لوضع حد للتعصب والكراهية والعنصرية،ويشكل مفتاحاً للسلام والأمن والإستقرار في عموم المنطقة.

إن إنجاز هذا، سيدي الرئيس، ايها السيدات والسادة، سيمثل ضمانة أساسية لحماية حرية الجميع من كافة الأديان والجنسيات للوصول الى الأماكن المقدسة بصورة دائمة وحرية مطلقة. فهذا ما  دأب عليه شعبنا الفلسطيني ،بمسيحيه ومسلميه،عبر التاريخ، وهو ما يتطلع الى الإستمرار فيه لجميع المؤمنين بالأديان السماوية كافة. وهذا ما التزم به الشعب الفلسطيني في وثيقة الإستقلال التي أعلنها عام 1988، وكذلك في المبادئ الدستورية التي تنظم عمل السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما نجدد الإلتزام به اليوم أمامكم.

إن أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس الشرقية، وهي تحتضن في رحابها مآذن المسجد الأقصى وأجراس كنيسة القيامة، تشكل، ومع كل حجر وصخرة وركن في شوارعها واحيائها، خلاصة القدرة الهائلة على التعايش بين الحضارات والثقافات، ومبعث الأمل لأهلها بالخلاص من قيود الإحتلال. فلا تتركوا الأمل والنداء الذي أطلقته أم كامل الكرد لإسترداد منزلها الذي صودر من المستوطنين، وكل الأمهات في المدينة المقدسة يتهاوى. وهذه مسؤوليتنا جميعاً.

السيـدات والسـادة:
ان ما يعانية الشعب الفلسطيني من التشرد ومنافي اللجوء، ومن مصادرة الاراضي ومصادر المياه، والتوسع غير المسبوق في الأنشطة الاستيطانبة، وتعرضه لإرهاب المستوطنين، وفرض الحصار المشدد وخاصة على قطاع غزة، حيث تُحتجز حرية مليون ونصف المليون إنسان، يشكل في مجمله خطورة كبيرة تكمن فيما يولده من تعزيز الكراهية والتعصب.

فالاستيلاء على الأرض بقوة الاحتلال المسلح، وتغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي لها، وخاصة في مدينة القدس... ان ذلك، وفي حالة استمراره وعدم وضع حد له، سيعرض للخطر الجهود الدولية المبذولة من أجل التوصل الى سلام على أساس حل الدولتين على حدود عام 1967، وهو الحل الذي أصبح موضع إجماع دولي واستثمر فيه المجتمع الدولي ليس فقط إقتصادياً بل سياسياً وأخلاقياً، الأمر الذي يستدعي التدخل لالزام كافة الأطراف بضرورة تنفيذ  قرارت الأمم المتحدة، والتقيد بمبادئها وبأسس العدالة وقواعد القانون الدولي. وأنا على ثقة بأنكم تدركون نتائج وتداعيات عدم القيام بذلك ليس فقط على الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، بل على عموم المنطقة وعلى الأمن  والسلم الدوليين. كما انكم تدركون بالمقابل ما توفره المبادرة العربية للسلام من آفاق رحبة لإنهاء الصراع في منطقتنا وإحلال الأمن والوئام فيها.

ان هذا الأمر يجب أن يحفزنا جميعاً على تكثيف العمل والالتزام الجاد بتسوية هذا الصراع الدائر منذ عقود، لإنهاء أطول احتلال في العصر الحديث، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967. إن ذلك سيفتح الطريق نحو إمكانيات حقيقية للتعاون والتعايش، ويكرس مبادئ التسامح، ويطوي صفحة الماضي. كما أنه يمكّن شعبنا من بناء مستقبله والمساهمة الفعالة في تقدم البشرية وإزدهارها.




السيـد الرئيـس..
السيدات والسـادة..

عندما تحدثت فلسطين لأول مرة من على هذا المنبر رفع الرئيس الراحل ياسر عرفات غصن الزيتون رمز السلام  في أرض السلام، والذي تضرب جذوره عميقاً في أرضنا كرمز للتعايش والتسامح. ونؤكد لكم اليوم مرة اخرى، وكما نص على ذلك إعلان وثيقة استقلال دولة فلسطين، والذي سنحيي ذكراه بعد يومين، تلك الوثيقة التي صاغها شاعرنا العظيم الراحل محمود درويش شاعر فلسطين والانسانية، الذي احتضن ثرى فلسطين جثمانه وودعه شيوخ وشباب فلسطين كرمز للثقافة الوطنية والانسانية، أن شعب فلسطين بمسلميه ومسيحييه يتطلع للسلام والعدل، وهو ملتزم بمبادئ التعايش السلمي. وسنواصل العمل بمسؤولية عالية، وبأقصى امكانياتنا ومع جميع الدول والشعوب من أجل تحقيق سلام دائم قائم على العدل واحترام الحقوق،.. سلام تزدهر في ظله طاقات البشر على البناء، ويحقق الرفاهية والازدهار، ويجري فيه التنافس على إبداع الحياة ويعم فيه عدم الخوف من الغد. فيقيننا ان الغد لا يحمل غير الأمان لمن عدل أو توخى العدل.

وأؤكد لكم في ختام كلمتي، أننا سنواصل العمل الدؤوب كي نتمكن من الإنتقال من ضحية التاريخ الى المشاركة في صنعه، ولما فيه مصلحة البشرية وآفاق الإنسانية الرحبة، وكلنا ثقة بأنكم ستساعدوننا على ذلك.



شكراً لكم

آخر الاخبار

بيان إعلامي للإطلاق الرسمي لمنظومة الخدمات الحكومية الإلكترونية "حكومتي"
29/12/2022
سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" يترأس جلسة مجلس الوزراء الاسبوعية
29/06/2022
مجلس الوزراء يصادق على حزمة من المشاريع التنموية والتطويرية في محافظة طوباس
25/01/2022