كلمة دولة رئيس الوزراء في الجلسة الخاصة التي عقدتها الحكومة وفاءً لشهيد الشعب والوطن والثقافة الإنسانية/ المرحوم محمود درويش

11/08/2008

كلمة دولة رئيس الوزراء في الجلسة الخاصة التي عقدتها الحكومة وفاءً لشهيد الشعب والوطن والثقافة الإنسانية/ المرحوم محمود درويش 

 

 

برحيل فارس الوطن والكلمة العذبة والجميلة، يفقد الشعب الفلسطيني واحداً من أبرز بناة الهوية الثقافية والوطنية لشعب فلسطين، والذي خلّد بأشعاره الجميلة كفاح شعب، ومعاناة امة أُريدَ لها ولثقافتها الطمس والتهميش والتبديد ... وملأ الدنيا بجرح فلسطين وأملها وإصرارها ونبضها ... وجبالها ووديانها وسهولها ... وعبير زهر اللوز أو أبعد. 

 

لقد سجل درويش بكلماته فصول النكبة، وصراع البقاء وملحمة البطولة الطويلة في الصمود، وباتت أشعاره جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية الحية، فقد دوّن محمود تفاصيل حياة الناس، وأحلام الأطفال، وآلام الأمهات وآمالهن... وتطلعات الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية. 

 

لقد نقش درويش بقلمه أحلام وطموحات شعب فلسطين، وإرادته الصلبة العنيدة في بيان وثيقة الإستقلال، ودشن فيض مفرداته من روح شعب الانتفاضة الشعبية في العام 1987، وتوقه للحرية والاستقلال والسيادة، ليرسم بها لحظة النهوض والقوة  والإصرار على حياة بلا حروب، وخالية من الاحتلال والقهر.... 

 

لقد حرر محمود  الحروف والكلمات وهو يسعى مناضلاً من اجل حرية شعبه، عاش النكبة وتفاصيل حرمان الطفولة في قرى الجليل، ترعرع في كنف رواية شعب سطر بطولات البقاء، وحرس الزيتونة ليجعل من زيتها شعلة انبعاث الهوية، واعتلى مع نخيلها الباسق في سمّوٍ حمل درويش منتصراً لإنسانيته، محلقاً يحمل إنتصاراً لحق الانسانية لقضية شعب ينقش على صخرة الحياة، ورسم ملامح وطن لكل أبنائه. لقد انتصر محمود درويش لانسانيته بإنسانيته، وانتصر بذلك لإنسانية الشعب الفلسطيني. 

 

فتجربته الكفاحية، وثقافته الانسانية نمت واعتلت عرش الكون، مجبولة بعرق الفلاحين الطيبين وأنّات الأسرى، وقلق انتظار الأمهات، حارسات نارنا الدائمة... مع حنينه لقهوة أمه في الصباح. 

 

رواية درويش في رحلته القاسية والجميلة، التي حملته طفلاً من البروة الى الجديده، التي كبر فيها وعاش شبابه، لتصبح كل البيوت والقرى والبلدات والمدن والمخيمات مسقطاً لرأسه، منطلقاً في فضاء فلسطين يطرز الكلمات الجميلة، ويعيد كتابة رواية الوجود والحرية، والحياة.... 

 

أحضر كل اللغات الى فلسطين ومعاناة اهلها، وإصرارهم على الحياة... استحق درويش مكانته حاملاً قضية شعبه ومكانتها في رحب الانسانية والانتصار للحق والعدالة وحق الحياة ...  لقد تجاوزت به فلسطين حدود الجغرافيا وقيود السياسة وقصور الذاكرة، وحمل عاشق فلسطين هموم شعبنا وأمتنا العربية في كل المحافل، وأطلق عصافير الجليل لتحلق عاليا في الذاكرة الانسانية. 

 

قائداً وطنياً ومبدعاً إنسانياً أنت يا محمود، وأحد اركان الوطنية المنبعثة مع قائدنا الخالد أبو عمار. 

كطائر الفينيق حلقت مع كل الشهداء القادة. كفراشة جميلة عشت، تبعث الفرحة والطمأنينة في نفس كل من عرفت. 

 

أُدمي قلبك يا محمود بما حل بشعبنا من مأساة الانقسام مستشعراً الخطر على الهوية التي يمزقها الانفصال. قلبك المرهف وكأنه لم يحتمل ما يرى وما يسمع ... توقف قلبك الممتلئ حبا وعشقا وهمًا، ولكن روحك تفيض بالحركة وتملأ سماء فلسطين وتكرس ملامحها الخالدة ... فلا تعتذر عما فعلت.  

 

يرحل محمود كما الفراشة جميلاً، ولكن قلقاً على تضحيات وانجازات شعبه. هل هزمك الخوف على مستقبل ثقافة أنت أحد بناتها بعد أن هزمت الموت أكثر من مرة؟.  

 

غيب الموت فارس الحلم وشيخ شعراء قضية العرب الأولى، المسكون بالتضاريس الخالدة وحلم الوطن ونهاية المنفى ... ولكن عزاءنا بأن الشعراء لا يموتون، ولا يجف مداد أحلامهم بفناء الجسد.  فما بالنا والحديث عن محمود. 

 

عهداً لك يا محمود أن نجعل مع شعبنا من حروف وكلمات وثيقة إعلان الاستقلال، سيمفونية جميلة للحن الحياة التي أحببت. 

 

وعدنا لك أن نحمي وحدة الوطن في حبات العيون، ونجعل من لحن الاستقلال في سيمفونية الحياة كما أردت وكما يجب أن تكون. 

 

سيودعك شعبك الذي أحببت بما يليق بك وبشعبك، كما شعوب الأمتين العربية والاسلامية، وكل أحرار البشرية والمدافعون عن العدالة والحرية. 

 

في هذه اللحظات الجليلة، ونحن نودّعك يا آخر الشعراء الكبار، ينهمر الحزن على بلادنا وكل أزقتها.. في الجليل والكرمل والبروة، ..وجبال الخليل ونابلس، وفي غزة وجنين والقدس ورام الله، ... التي تستقبلك في عودتك الأخيرة ... فيتسع المكان للمكان، وتندثر المسافة في عناق الثرى بين رام الله والجليل، وستحتضنك أرض فلسطين، لينمو ربيعها بالثقافة وإبداع الأغاني لكلمات قصائدك الجميلة.  

 

لك منا العهد أن تظل ذكراك نبراساً لذاكرة الشعب وأجياله، وعطرة ابد الدهر، وسيظل سحر شعرك الجميل بوصلة الطريق إلى وطن الحرية لشعب من الأحرار.   وسيظل يا محمود "على هذه الأرض ما يستحق الحياة " ، "على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارت تسمى فلسطين". 

 

وداعا يا محمود، يا من انتصر بإنسانيته لإنسانيته، وانتصر بذلك لإنسانية الشعب الفلسطيني. " إن العين لتدمع ... وإن القلب ليحزن... وإننا على فراقك يا محمود لمحزونون".

آخر الاخبار

بيان إعلامي للإطلاق الرسمي لمنظومة الخدمات الحكومية الإلكترونية "حكومتي"
29/12/2022
سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" يترأس جلسة مجلس الوزراء الاسبوعية
29/06/2022
مجلس الوزراء يصادق على حزمة من المشاريع التنموية والتطويرية في محافظة طوباس
25/01/2022